خطبة الجمعة لفضيلة الشيخ د. فريد بن يعقوب المفتاح
أَمَّا بَعْدُ: فَأُوصِيكُمْ عِبَادَ اللهِ تَعَالَىْ وَنَفْسِيَ أَوَّلاً بِتَقْوَىْ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَىْ وَطَاعَتِهِ.
أَيُّهَا المُسْلِمُوْنَ المُبَارَكُوْنَ: نَعِيْشُ هَذِهِ الأَيَّامَ، أَيَّامَاً مُبَارَكَاتٍ، أَيَّامَاً عَظِيْمَةً، أَيَّاًمَاً مَلِيئَةً بِالْخَيْرِ وَالرَّحَمَاتِ، يُضَاعِفُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَىْ فِيهَا الْحَسَنَاتِ، وَيَرْفَعُ فِيهَا الدَّرَجَاتِ، وَتَكْثُرُ فِيْهَا النَّفَحَاتُ، إِنَّهَا أَيَّامُ الْعَشْرِ الْأَوَائِلِ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ، الَّتِي بَيَّنَ النَّبِيُّ صَلَّىْ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَضْلَهَا فَقَالَ: “أَفْضَلُ أَيَّامِ الدُّنْيَا: أَيَّامُ الْعَشْرِ”، فَهِيَ أَعْظَمُ وَأَفْضَلُ أَيَّامِ الدُّنْيَا قَاطِبَةً.
يَأْتِيْ فِيْ أَوَاخِرِ هَذِهِ الأَيَّامِ، يَوْمٌ عَظِيْمٌ مِنْ أَيَّامِ الله تَعَالَىْ المُبَارَكِةِ، إِنَّهُ يَوْمُ عَرَفَةَ، يَوْمُ الحَجِّ الأَكْبَرِ، وَبَعْدَهُ يَوْمُ عِيْدِ الأَضْحَىْ المُبَارَكِ، ثُمَّ أَيَّامُ التَّشْرِيْقُ، فَهِيَ أيَّامٌ عَظِيْمَةٌ، أَيَّامٌ شَرِيْفَةٌ مُبَارَكَة، فَضَلَّها اللهُ تَعَالَىْ وشَرَّفها، وجَعَلَهَا أيَّامَ عِبَادَةٍ وَذِكْرٍ وَتَكْبِيْرٍ وَتَسبِيْحٍ، كَمَا جَعَلَهَا أيَّامَ فَرَحٍ وَسُرُوْرٍ وَسَعَادَةٍ لأَهْلِ طَاعَتِهِ، يُفِيْضُ عَلَيْهِم فِيْهَا مِنْ جُوْدِهِ وكَرَمِه وَفَضْلِهِ وَإِحْسَانِه، فَاشْكُرُوْا اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَىْ، واذْكُرُوْهُ وَكَبِّرُوْه عَلَىْ مَا حَبَاكُمْ بِهِ مِنْ نِعْمَةِ الإِسْلامِ، وَهِدَايَةِ الإِيْمَانِ وَاتِّبَاعِ سَيِّدِ الأَنَامِ صَلَّىْ اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّم، الَّذِيْ قَالَ عَنْ هَذِهِ الأيَّامِ المُبَارَكَةِ: “أَيَّامُ العَشْرِ، وَيَوْمُ عَرَفَةَ، وَيَوْمُ العِيْدِ، وَأيَّامُ التَّشْرِيْقِ؛ أَيَّامٌ عَظِيْمَةٌ، هِيَ أَيَّامُ عِبَادَةٍ وَذِكْرٍ وَتَكْبِيْرٍ وَدُعَاءٍ وَاسْتِغْفَارٌ، وَهِيَ أيَّامُ أكْلٍ وَشُرْبٍ وَأُنْسٍ وَفَرَحٍ وَسُرُوْرٍ، وَذِكْرٍ وَتَكْبِيْرٍ للهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَىْ، وَحَمْدٍ لَهُ سُبْحَانَهُ وَشُكْرِهِ وَطَاعَتِهِ”.
فَاغْتَنِمُوا -عِبَادَ اللهِ- هَذَهِ الأَيَّامَ العَظِيْمَةَ بِالتَّكَبِيْرِ وَالتَّهْلِيْلِ وَالتَّسْبِيْحِ وَالحَمْدِ وَالِاسْتِغْفَارِ وَالثَّنَاءِ وَالتَّوْبَةِ وَالإِنَابَةِ إِلَى اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَىْ.
وَكَذَلِكَ مِنَ الأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ الَّتِيْ يَجِبُ الحِرْصُ عَلَيْهَا وَمُمَارَسَتَهَا وَإِظْهَارُهَا فِيْ هَذِهِ الأَيَّامِ المُبَارَكَةِ؛ نَشْرُ ثَقَافَةِ التَّسَامُحِ، وَثَقَافَةُ الحُبِّ وَالوُدِّ وَالتَّوَاصُلِ، نَشْرُ المَحَبَّةِ وَإِظْهَارُ المَوَدَّةِ، نَشْرُ التَّرَاحُمِ وَالتَّسَامُحِ وَالتَّصَالُحِ وَالتَّعَاوُنِ وَالصَدَقَةِ وَالبِرِّ وَالإِحْسَانِ، وَالكَرَمِ وَالسَّخَاءِ، لِمَا فِيْ ذَلِكَ مِنَ التَّقَرُّبِ إِلَىْ اللهِ تَعَالَىْ وَابْتِغَاءِ الأَجْرِ وَالثَّوَابِ مِنْهُ سُبْحَانَهُ عَنْ طَرِيْقِ البَذْلِ وَالعَطَاءِ وَالإِحْسَانِ لِلآخَرِيْنَ.
أيُّهَا الفُضَلاءُ الكِرَامُ: هَا هُمْ الحَجِيْجُ يَجْتَمِعُوْنَ في بَيْتِ اللهِ العَتِيْقِ، وَافِدِيْنَ إِلَىْ مَكَّةَ، مُحْرِمِيْنَ مُلَبِّيْنَ، قَاصِدِيْنَ رَبًّا وَاحِدًا، لابِسِيْنَ لِبَاسًا وَاحِدَاً، مُرَدِّدِيْنَ شِعَارًا وَاحِدَاً: لَبَّيْكَ اللّهُمَّ لَبَّيْكَ. إنَّهَا أَجْوَاءٌ إِيْمَانِيَّةٌ مُفعَمَةٌ بِالسَّلامِ وَالاطْمِئْنَانِ، مُفَعَمَةٌ بِالحَبِّ وَالتَّوَاضُعِ، ومُفْعَمَةٌ بِالتَّآلُفِ وَالتَّوَافُقِ وَالتَّعَاوُنِ، والتّكاتُفِ والرَّحْمَةِ، والرِّفق والوَحْدَةِ، فِيْ أَعْظَمِ مُنَاسَبَةٍ إِسْلامِيَّةٍ إِنْسَانِيَّةٍ حَضَارِيَّةٍ عَالَمِيَّةٍ.
فَلْنَسْتَقبِلْ -أَيُّهَا الكِرَامُ- أيَّامَنَا بِصَفْحَةٍ نَاصِعَةٍ، مُفعَمَةٍ بالآمَالِ، مَلِيْئَةً بِالتَّفَاؤُلِ وَصَالِحِ الأَعْمَالِ، بِالبِشْرِ وَالبِرِّ وَالسَّمَاحَةِ وَالانْفِتَاحِ، بِالتَّمَسُّكِ بِالأَخْلاقِ الطَّيِّبَةِ، وَالقِيَمِ الصَّالِحَةِ، وَأَنْ نَعَمَلَ جَمِيْعَاً مِنْ أَجْلِ الحِفَاظِ ِ عَلَىْ مَصَالِحِ وثَوَابِتِ المُجْتَمَعَاتِ، وَتَحَضُّرِ الأَوْطانِ، والعَمَلِ عَلَىْ تَحْقِيْقِ أَمْنِ وَأَمَانِ وَرَخَاءِ واسْتِقْرَارِ الأَوْطَانِ.
وَلْتَكُنْ مِثْلُ هَذِهِ المُنَاسَبَةِ العَظِيْمَةِ، دَرْسَاً، يُرَاجِعُ فِيْهِ المُسْلِمُوْنَ أَنْفُسَهُم، ويَتَبَصَّرُون فِيْهِ أَحْوَالَهِم، لِيُقِمُوْهَا عَلَىْ مَنْهجِ الوَسَطِ والاعْتِدَالِ، مَنْهَجِ التَّسَامُحِ وَالوَحْدَةِ وَالسَّلامِ، بِفَهْمٍ صَحِيْحِ، بِفَهْمٍ حَضَارِيٍّ، بِفَهْمٍ عَصْرِيٍّ، مُسْتَنِيْرٍ رَاقٍ سَلِيمٍ دَقِيْقٍ لِدِيْنِ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَىْ، مُتَفَاعِلِيْنَ مَعَ حَاجَاتِ زَمَنِهِم، مُرَاعَيْنَ مُعْطَيَاتِ وَاقِعِهِم، وتَطَوُّرِ مُجْتَمَعَاتِهِم وتَحَضُّرِ أَوْطَانِهِم وَازْدِهَارِهَا.
اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ خَيْرَ هَذِهِ الْأَيَّامِ، وَخَيْرَ مَا فِيهَا، وَنَسْأَلُكَ خَيْرَ ثَوَابِهَا، وَخَيْرَ حَسَنَاتِهَا، وَخَيْرَ أَجْرِهَا، وَخَيْرَ جَزَائِهَا، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ أَنْ تُوَفِّقَنَا فِيهَا إِلَى كُلِّ عَمَلٍ صَالِحٍ يُرْضِيكَ عَنَّا يَا رَبَّ العَالَمِيْنَ، وَيَا أَكْرَمَ الأَكْرَمِيْنَ.
اِسْتَغْفِرُوْا رَبَّكُمْ -عِبَادَ اللهِ- وَتُوْبُوْا إِلَيْهِ، إِنَّهُ كَانَ غَفَّارَاً.
الحَمْدُ لله، والصَّلاةُ والسَّلامُ على رَسُولِ الله، وعلى آلِه وصَحْبِهِ وَمَنْ اِتَّبَعَ هُدَاه، ثُمَّ أمَّا بَعْدُ؛
أيُّهَا الفُضَلاءُ الكِرَامُ: نَعِيْشُ أَيَّامَاً مُبَارَكَةً، وَمَوْسِمَاً عَظِيْمَاً، فِيْهِ يَوْمٌ عَظِيْمٌ مُبَارَكٌ، هُوَ يَوْمُ عَرَفَةَ، وَهُوَ يَوْمُ وُقُوْفِ الحُجَّاجِ بِصَعِيْدِ عَرَفَاتِ، رُكْنِ الحَجِّ الأعظم،، فَأَكْثِرُوْا رَحِمَكُمْ اللهُ تَعَالَىْ فِيْ هَذَهِ الأيَّامِ مِنَ الأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ، أَكْثِرُوْا فِيْهَا مِنَ التَكْبِيْرِ وَالتَهْلِيْلِ والتَحْمِيْدِ والذِّكْرِ والاسْتِغْفَارِ، والمُنَاجَاةِ وَالدُّعَاءِ، وَالبِرِّ، وَالإِحْسَانِ، أَكْثِرُوْا فِيْهَا مِنْ قِرَاءَةِ القُرْآنِ، وَالصَّلاةِ وَالسَّلامِ عَلَىْ رَسُوْلِ الإِسْلامِ وَالسَّلِامِ، صَلَّىْ اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، أَكْثِرُوْ فِيْهَا مِنَ الصَّدَقَةِ والإطْعَامِ، وَصِلَةِ الأقاربِ والأرْحَامِ، وَبِرِّ الوَالِدَيْن، وتَفْرِيْجِ الكُرُبَاتِ، وقَضَاءِ الحَاجَاتِ، وَسَائِرِ أنْوَاعِ الطَّاعاتِ والقُرُبَاتِ الَّتِيْ يَنْبَغِيْ الحِرْصُ عَلَيْهَا فِيْ هَذِهِ الأَيَّامِ العَظِيْمَةِ المُبَارَكَةِ.
أيُّهَا الفُضَلاءُ الكِرَام: وَفِيْ ظِلِّ هَذِهِ الأَجْوَاءِ الإِيْمَانِيَّةِ الرُّوْحِيَّةِ، مِنْ مَوِسْمِ الخَيْرِ العَظِيْمِ، الَّذِيْ مَنَحَنَا اللهُ تَعَالَىْ إيَّاهُ؛ فَلْنَتَضَرَّعْ إِلَىْ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَىْ بِأَنْ يُدِيْمَ عَلَىْ أُمَّتِنَا وَمُجْتَمَعِنَا وَأَوْطَانِنَا؛ نِعْمَةَ الأَمْنِ والأَمَانِ، والرَّخَاءِ والاسْتِقْرَارِ. وَلْنَسْتَثْمِرْ مَوْسِمَنَا هَذَا العِبَادِيَ العَظِيْمَ، فِيْ اجْتِمَاعِ كَلِمَتِنَا، وَوَحْدَةِ صَفِّنَا، وَلَمِّ شَمْلِنَا. لَنْسَتَغِلَّ وَلَنَسْتَثْمِرَ هَذَا المَوْسِمَ الوَحْدَوِيَّ الجَلِيْلَ فِيْ الالْتِفَافِ حَوْلَ قِيَادَتِنَا، تَحْتَ رَايَةِ قَائِدِنَا، وَرُبَّانِ سَفِيْنَتِنَا، وَلِيِّ أَمْرِنَا، جَلالَةِ المِلِكِ المُعَظَّمِ حَفِظَهُ اللهُ تَعَالَىْ وَرَعَاهُ. ولْنُعَزِّزْ مَا تَوَافَقَنَا عَلَيْهِ لِدَعْمِ مَسِيْرَةِ وَحْدَتِنَا الوَطَنِيَّةِ، وَالحِفَاظِ عَلَىْ نَسِيْجِ مُجْتَمَعِنَا، نَسِيْجِ الأُسْرَةِ البَحْرِيْنِيَّةِ الوَاحِدَةِ، وَلْنَقِفْ صَفَّاً وَاحِدَاً تِحْتَ رَايَةِ قَائِدِنَا وَوَلِيِّ أَمْرِنَا، وَوَلِيِّ عَهْدِهِ الأَمِيْن، حَفِظَهُمْ اللهُ وَأَيَّدَهُمْ وَرَعَاهُمْ وَوَفَّقَهُمْ. وَلْنَكُنْ مُتَفَائِلِيْنَ مُسْتَبْشِرِيْنَ، وَلْنُمْسِكَ بِيَدِ بَعْضِنَا بَعْضَاً، يَدَاً بِيَدٍ مَعَاً؛ لإِنْجَاحِ مَسِيْرَتِنَا الإِصْلاحِيَّةِ التَّنْمَوِيَّةِ الحَضَارِيَّةِ. وَلْنَجْعَلَ مِنْهَا مَلْحَمَةً وَطَنِيَّةً، تَعْكِسُ وَحْدَةَ شَعْبِنَا، وَلْنُثْبِتُ لِلْعَالَمِ أنَّ مَمْلَكَةَ البَحْرَيْنِ بِأَهْلِهَا، وَأَنْهُمْ جَمِيْعَاً مِنْ أَجْلِ وَطَنِهِم؛ قَدْ تَوَحَّدُوْا واجْتَمَعُوْا وَتَلاحَمُوْا مِنْ أَجْلِ النُّهُوْضِ بِوَطَنِهِمْ، بِمَا يُسْهِمُ فِيْ أَمْنِ وَاْسْتِقْرَارِ وَتَقَدُّمِ وَرُقِيِّ وتَحْضَرِّ وَازْدِهَارِ وَطَنِهِم، وَمَمْلَكَتِهِم الغَالِيَةِ العَزِيْزَةِ الحَبِيْبَةِ.
اللَّهُمَّ احْفَظْ حُجَّاجَ بَيْتِكَ الحَرَامِ، اللَّهُمَّ احْفَظْ الحُجَّاجَ والمُعْتَمِرِيْنَ، اللَّهُمَّ وَفِّقْهُمْ لأَدَاءِ حَجِّهِمْ، فِيْ يُسْرٍ وَسُهُوْلَةٍ، اللَّهُمَّ اجْعَلْ حَجَّهُم مَبْرُوْرَاً مَقْبُوْلا، وَذَنْبَّهُمْ مَغْفُوْرَاً، وَسَعْيَهُمْ مَشْكُوْرَاً، وَعَمَلَهُم صَالِحَاً رَشِيْدَاً مُتَقَبَّلاً مَبْرُوْرَا، اللَّهُمَّ وَرُدَّهُمْ -بَعْدَ أَدَاءِ نُسُكِهِمْ- إِلَىْ أَهْلِهْمْ وَدِيَارِهِمْ -رُدَّهُمْ- سَالِمِيْنَ غَانِمِيْنَ مُعَافِيْنَ، مَغْفُوْرَاً لَهُمْ يَا رَبَّ العَالَمِيْنَ.